فلبي متكبر بقلم سارة نيل
الساخرة اللاذعة
فتاة ضعيفة البدن صماء بكماء قد وقعت فريسة نفوس مريضة ناتجة عن ثقتها وطيب قلبها الذي أوصلها حد السذاجة
كانت مرحة محبة للحياة لا تنطفئ الإبتسامة من فوق فمها
وثقت في أصدقاء رسموا لها الوفاء لتطعن على يد قارئ الحياة لها على من كان الأذن التي تسمع بها واللسان الذي تتحدث به
من أهدته قلبها وروحها ولبها وأوهمها هو أنها له كل ذلك
صوت بكاءها المكتوم وهمهاتها التي لا تفسر وهي تترجاهم بأعينها وهم يسحبونها يقيدونها ويضعون عصابة فوق أعينها يحجبون الرؤية وهي بكماء صماء وألقوها في أحد الأبار الخالية المهجورة
فأصبحت في وسط الدجنة عاجزة قد فقدت جميع الحواس
لقد حملت جميع معاني العجز وأتاها غدرها من مأمنها
لقد ثكلوا حتى معنى الإنسانية
فكتبت في رأس مذكراتها
لقد تكبكبوا علي دون رحمة لأجل أني صماء بكماء
سحبت قلمها ثم نقشت بهدوء
لقد خشيت فقط أن يحل بالعمياء ما حل بالصماء البكماء لقد خشيت أن يحل بها ما حل بي أردت إبعادها عن كل معاني الغدر وإبعاده عن كل معاني الخذلان لتيقني أن الغدر مدفون بجميع الأرواح واجتثاث تلك النبتة الساذجة التي تسمى ثقة من معجمي وداخلي منذ ذاك اليوم
أدت صلاة الفجر وأخذت تتلو سورة البقرة كعادتها كل يوم فمنذ اليوم الأول لنومة يعقوب التي طالت فهي تلتزم بروتين خاص يبدأ بقراءة سورة البقرة يوميا بجانبه وترديد الأذكار عقب صلاة الفجر في الصباح الباكر
غمر ضوء الصباح النقي الغرفة لتجلس بجانب يعقوب ممسكة بإناء به القليل من الماء تغمر به قطع القطن ثم تمسح بها وجه يعقوب وانحنت تقبل جبينه وهي تبتسم باتساع قائلة بنشاط
أخذت تمسد على شعره وهي تتحدث بتفائل ويقين
مش عارفة ليه قلبي حاسس إن النهاردة هتحصل حاجات حلوة أوي يا أوب
أنا عارفة إنك سامعني وحاسس بيا وأنا واثقة إنها فترة إنت بترتاح فيها وهترجع
ماما فاتن وبابا حسين ويامن وكريم وعبد الرحمن كلهم بيجولك وبيتكلموا معاك كل يوم
أنا غيرت جو الأوضة دي خالص يا أوب إللي يشوفها دلوقتي مش يصدق إنها أوضة في مستشفى غيرت ستاير المستشفى الكئيبة وفرش السرير والكراسي والزينة وكل حاجة لما تفوق هتنبهر بيا
والأحلى من كدا إن ختمت القرآن على أسماعك مرتين وقرأتلك كتابة لا تحزن أيوا الدكتور أكد ليا إنك بتسمع وبتحس بينا وبتميز الروايح إللي بتحبها
وعند تلك النقطة شرد عقلها في هذا اليوم عندما كان يتمدد واضعا رأسه على فخذها وهي تسأل بينما يجيبها
وقتها تسائلت بصوتها الهادئ
قولي يا أوب أكتر ريحه بتحبها أيه يعني ريحتك المفضلة
اتكأ واقترب منها يشتم رائحتها بنهم ثم قال بصدق وعشق
ريحتك يا رفقة ريحة الطهارة المنبعثة منك ريحتك هي بقت هوسي ونهمي ريحة برائتك ونقاءك ده
ابتسمت رفقة بعشق على كلماته الصادقة واقتربت منه تحويه بأحضانها وهي تهمس بغصة باكية
أنا هنا يا يعقوب أنا جمبك وريحتي مش بتفارقك ولا لحظة ليه مش راضي ترجع ليا !
ابتعدت تنظر له وهي تتحسس وجه بحنان ثم قالت
بس أنا واثقة إنك هترجع وهتفوق واثقة وعندي يقين قلبي مليان يقين بالله لأن دعيت بكل يقين وواثقة إن الإستجابة قريبة مني
لكن تزلزل فؤادها وهي ترى خطان من دموع يعقوب يهبطان من نهاية عينه المغلقة نحو أذنه هرعت أصابعها تمحيهم بحنان قائلة پبكاء وهي تضع جبينها فوق جبينه
والله كل حاجة بخير يا يعقوب أنا هنا جمبك
وخرجت مسرعة تنادي الطبيب بلهفة تخبره عن هذا التطور
قابلها لتقول مسرعة
دكتور دكتور في حاجة مهمة حصلت
استفهم بقلق
خير يا مدام رفقة يعقوب باشا حصله حاجة
أجابت مسرعة
لا لا يعقوب بخير بس في دموع عينه نزل منها دموع
ابتهج وجه الطبيب وردد بسعادة واطمئنان
دا مؤشر كويس جدا جدا
دا بيدل إن يعقوب باشا عنده مقدار من الوعي وحاسس بإللي يحصل حوليه ولو كان نسبة بسيطة يعني هو مستجيب للمؤثرات إللي حوليه
تنهدت براحة وأخذت تتمتم بامتنان
الحمد لله الحمد لله يارب
ابتسم الطبيب وقال بعملية
هدخل علشان أفحصه الفحص الصباحي
حركت رأسها بإيجاب ورفعت رأسها للسماء وهي تضع كفيها على صدرها بسعادة وقالت برجاء ويقين يارب العالمين أنا صابره وراضية وواثقة في عطاءك يارب
فرح قلبي راضي قلبي يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام
شعرت بأحد يقترب منها التفتت لترى لبيبة التي تقف بثبات
ومازالت ملامحها مغلفة بالصمود فتلك الأيام المنصرمة كانت
منعزلة على نفسها لا تتحدث مع أحد فقط تقف خلف الزجاج
تشاهد يعقوب وتارة أخرى تدلف للداخل تجلس بجانبه تكتفي بالنظر إليه بصمت ثم تخرج بعدما تقبل باطن كفه وجبينه طالعت لبيبة رفقة التي ظلت تنظر لها بلطف ونقاء يذيب
قيود القلوب تنهدت لبيبة ثم أردفت
تعالي معايا لم تعد رفقة تخشاها وذلك لمعرفتها جوهر لبيبة الداخلي الذي لم يستطع أحد الوصول إليه إلى الآن تعلم أنها تدثر
بداخلها الكثير وتغلف حنانها بهذه الطبقة القاسېة لتنزوي بها عن الجميع لكن أعينها تخبرها بالكثير لا تعلم لماذا تشعر
تجاهها بهذا !! لكن أعين لبيبة تحمل الكثير الذي مس قلب رفقة حبها
للجميع صامت حنانها وحبها الشديد ليعقوب أصبحت تسترق النظر لتشاهدها معه وهذه الأيام كانت كفيلة لإخبارها أن أكثر شخص يستحق الثقة وأن تسلم روحك إليه بإطمئنان
هي لبيبة بدران
سارت بجانبها رفقة بصمت حتى هبطوا للطابق الأسفل
تسائلت رفقة بإبتسامة وقلبها يخفق بشدة
إحنا رايحين فين
وقفوا أمام أحد الغرف ثم بسطت لبيبة كفها أمام رفقة التي ودون تردد وضعت كفها فوق كف لبيبة
توسعت أعينها پصدمة لتسحبها بهدوء ثم دلفت للداخل
اسمحوا للعالم أن يتوقف قليلا حتى تستوعب وهنا
القلوب ما يحدث
إنها الأم إنه الأب إنهما الغائبان إنهما نبض الحياة نعم مرت سنوات عديدة لكن هذا الفؤاد فؤاد أم وهذه الروح جزء من روح يحيى وجزء من روح نرجس فكيف للأرواح ألا
تتلائف وتتلاقى وتتعارف حتى وإن تغيرت الملامح !! لا تعلم كيف خرج هذا الهمس المشتاق من بين بقاع الحناجر بل من بين جدران القلب وبين أوتارها وهمست رفقة بصوت
مرتعش
ما ما با با بقلم سارة نيل
في الأعلى بين حنايا ذاكرته صوتها يتغلغل بقلبه تناديه
تبكي تبتسم تتحدث وفي الأخير الجملة الرعدية التي انتفض لها كل ذرة بجسده يعقوب رفقة عشقاك رفقة روحها في روح يعقوب
رفقة بتحب يعقوب
وهنا شهق يعقوب بقوة وتوسعت أعينه معلنا العودة للحياة
بأربعة أحرف همس بها بإحتياح
رفقة
عينيها المتسع حدقتيها توزع النظر بينهم ببطء وقد انبجست الحياة بوجهها المشرق تشعر أنها تسير بجنات ألفافا احتشدت المشاعر داخل صدرها ورددت بإرتعاش دون تصديق
بابا وماما أنا شايفه صح
بينما نرجس ويحيى استقاما وهما ينظران لها بشوق أعيا قلوبهم أعينهم تجري على ملامح ابنتهم التي تغيرت كثيرا والأعظم من هذا أعينها
إنها ترى !!
ارتعشت أقدام نرجس شاعرة أن قلبها يكاد أن يهاجر صدرها كررت پجنون وهي تقترب من رفقة تسرف في النظر إلى كل قطعة بها ويديها المرتجفة كورقة يابسة يتلاطمها الماء امتدت لملامسة وجهها
رفقة بنتي حبيبتي قولتلك يا يحيى هي عايشة قولتلك عايشة أنا قلبي كان حاسس أنا كنت واثقة إن ربنا مش هيخذلني مش هيخذلني أبدا
ربنا مخذلنيش يا يحيى ربنا مردش إيدي خايبة
هبطت دموع رفقة أفواجا وهي تتأمل والدتها ورفعت يدها دون تجمجم تتحسس والدتها وهي تردف من بين بكائها
ربنا مخذلناش يا ماما ربنا مخذلنيش أنا كمان حاشاه حاشاه حاشاه
أنا كنت واثقة والله كنت عارفة
وإلى هنا انسحبت كل المسافات وغمرتها والدتها بعناق بعد فراق سنوات مريرة ټحتضنها بقوة وكأنها ماء سيتسرب من بين أصابعها امتزج صوت بكائهم فاقترب يحيى يغمرهم بأحضانه ولم يستطع تماسك نفسه من البكاء وظل يردد بينما يقبل رأس رفقة بحنان قائلا بحمد وامتنان
اللهم لك الحمد يارب لك الحمد يارب العالمين
يا حنان يا ذا الجلال والإكرام يا ملك الملوك يا ملك الملوك
أصبحت رفقة الآن بين والديها تحاوط والدها بذراع ووالدتها بذراع وهم يحاوطنها متشبثين بها ببأس شديد
همست وهي تنعم بهذا الدفء الذي حرمت منه لسنوات هذا التحنان التي لم تتذوقه بعد رحيلهم منذ سنوات إلا عندما جاء يعقوب لكن أي شيء يقارن بهذا الذي هي به الآن
بابا ماما كنت عارفة إنكم هترجعوا وحشتوني أووي يا غاليين على قلبي كنت من غيركم غريبة غريبة ولوحدي
انتظرتكم كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكنت واثقة إنكم هترجعوا
وبعد ما يقارب العشرون دقيقة ابتعدوا عن بعضهم أخيرا فأخذ والدها يقبل رأسها بحنان بينما والدتها تربت على ظهرها برفق
نظرت لهم رفقة بإبتسامة واسعة لتقول بحماس وهي تدور حول نفسها
أنا النهاردة أسعد يوم في حياتي معتدش محتاجة أي حاجة من الدنيا دي
ثم انحنت تضع جبينها فوق الأرض تسجد سجدة شكر مطولة تبعها كلا من نرجس ويحيى
رفعت رفقة وجهها ثم نظرت لهم مرة أخرى بتأمل فهي إلى الآن لا تصدق ما تراه ولا ترتوي من رؤيتهم
ألقت نفسها بأحضانهم بمرح لترتفع ضحكتاهم السعيدة والآن قد انبثق الفجر الحق
كانت لبيبة تشاهد الموقف بثبات لتبتسم بخفة بحنين وقد ازدهر هذا الشوق الذي بداخلها والذي لا يخفت بتاتا
والدها الحبيب صاحب القلب الحاني من كان لها كل شيء كان لها كل الأشخاص يعقوب بدران
صوته ذو النبرة المميزة الذي يتردد صداه بقلبها قبل أذنها وهي فتاة في العشرون من عمرها بينما يكتب لها وهو يحتضنها بحنان وهي تبستم بسعادة وكأن الدنيا قد حيزت لها
يا
بيبا إنت فرحة عمري وأيامي إنت حبة قلب أبوك يا بيبا بكتبلك إللي بقوله وبقول الكلام بلساني كمان وبصوتي علشان عارف إنك سمعاه بقلبك أكيد لسه فاكره صوتي ولسه بيتردد في قلبك وعقلك روحي فدا إنك ترجعي تسمعي وتتكلمي تاني يا بنتي مټخافيش يا لبيبة أبوك معاك وفي ضهرك ومش هيسيبك أبدا وهترجعي تسمعي وتتكلمي تاني يا نور عيني
خرجت من شرودها على نرجس التي اقتربت منها ثم فجأة احتضنتها وهي تقول باكية
ربنا يجبر بخاطرك ويريح بالك ويجازيك كل الخير على إللي عملتيه معانا أنا مش هنسى وقفتك دي إنت زي الملاك إللي ربنا بعته لنا من يوم ما عرفناك وإنت بتخرجي لنا فأكتر المواقف ضيق لما بتكون كل الطرق اتسدت في