فلبي متكبر بقلم سارة نيل
أتعب وأعمل الحاجة بكل حب وملقيش أي تقدير مش كفاية إن وقفت وعملتها يا رفقة ولا أيه من الحق أنا منفعش لأي حاجة!!
أمسكت رفقة بكف شيرين وهي تقول بطيبة وحب صادق
أوعي تقولي كدا يا شيري دا إنت زي القمر وأي حاجة من إيدك جميلة وحلوة شبهك
مش من حقك تقولي كدا يا أمل ولا حضرتك يا طنط شيرين ست البنات وكفاية إنها وقفت وعملتها بكل حب
حبيبتي والله يا رفقة ربنا يفرح قلبك زي ما فرحتيني يلا دوقي إنت بقاا وقوليلي رأيك إللي متحمسة ليه جدا ويارب ما تكسري فرحتي وتاكلي الطبق لأخر معلقة
ابتسمت رفقة وهتفت بحماس ولطف
أنا واثقة من قبل ما أدوق
ثم رفعت رفقة الملعقة الممتلئة نحو فمها تحت أنظار ثلاثتهم الشامتة فهم مثل الأفاعى المليئة بالسم بينما قد خدعوا تلك الرقيقة بنعومتهم الخارجية
هاا قوليلي طعمها حلو ولا أيه يا رفقة من الحق وحشة زي ما بيقولوا
قالت جملتها الأخيرة بحزن كاذب لتبتلع رفقة الطعام بينما تربت على يدها ثم رددت بابتسامة واسعة ولطف وهي لا تريد إحزانها ولا خزلها
بالهنا على قلبك يا رفقة يلا بقاا عايزاك تاكليها كلها وخدي البطاطس كمان
وأخذوا ثلاثتهم يتناولون الطعام بإستمتاع ويلتهمون قطع الدجاج بشهية بينما ينظرون لرفقة التي كانت تبتلع الطعام المالح بصعوبة شديد
ظلوا يرمقونها بتشفي وحقد قد ملئ قلوبهم مطمئنين بأن لا أحد يراهم مطمئنين أنها لن تشعر بهم لفقدانها نور عينيها مستغلين كونها كفيفة لكنهم غفلوا عن العزيز المنتقم الواحد الجبار الذي يمهل ولا يهمل
بمنتصف الليل كانت رفقة تجلس فوق الأريكة التي تنام فوقها تتمسك بمصحف خاص بالمكفوفين تتحسس صفحاته حيث النقاط البارزة وتقرأ تستمد منه طاقتها وتربت على قلبها بكلام المولى عز وجل
توسعت إبتسامتها وترقرق الدمع بأعينها بينما تردد تلك الآية من سورة يوسف
توقفت هامسة بيقين
وأنا مش هفقد الأمل واليقين أبدا يارب
أنا راضية يارب مش زعلانة بس مش هنكر إن طمعانة في كرمك مش عايزة بصري يرجعلي علشان حاجة قد ما إن أشيل الحمل من على خالو ومراته وعيال خالو مش عايزه أحس إن تقيلة على حد ويتضرروا مني
وبابا وماما يارب أنا عشمانة فيك يارب عشمانة إنهم يرجعوا ويكونوا بخير
عسى الله أن يأتيني بهم جميعا
وقبل أن تكمل حديثها سمعت صوت زوجة خالها ټتشاجر مع خالها بصوت ملأ سكون الليل
استقامت وسارت نحو الباب النصف مفتوح تقف خلفه لتستمع إلى أقسى كلمات توقعت سماعها يوما ما كلمات كانت كالخناجر تمزق بقلبها
كانت تصرخ پغضب واستياء
خلاص إحنا مش قادرين نستحمل أكتر من كدا مش ذنب علينا إنها تبقى عبء العمر كله وعيالي وأنا نبقى خدامين لها ومصاريف وأكل وشرب دا رزق عيالك إللي هي عايشة فيه يا عاطف
قولت بلاش تروح عند أعمامها وعمتها علشان عندهم شباب طب ما ابني خلاص هانت وهيرجع ناوي تحرمني منه وتقوله يروح يشوف أي مكان يقعد فيه علشان الغندورة
قولتلك كام مرة وديها أي دار رعاية
وقبل ما تعارض وتقولي زي كل مرة ما هي مسيرها تتجوز وأكيد مش هتفضل قاعدة معانا العمر كله
أحب أقولك فوق يا أخويا جواز أيه لبنت أختك دي عامية لو إنت ناسي
مين هيرضى بيها مين يرضى بالبلوة دي مستحيل واحد يقبل بيها بأي شكل ولو حصل شوف هيكون معيوب ولا معاق
دي هتفضل لازقة العمر كله فينا يا عاطف وأنا معدتش قادرة أستحملها خلاص فاض بيا الدنيا غالية وإحنا أولى بأي قرش
شخصية عاطفة لم تكن سوى شخصية ضعيفة لا يستيطع أن يجابه زوجته في الحديث والمناقشات ينقاد خلفها بطبعه الضعيف
قال لها بهدوءه المعتاد ونبرته اللينة
وطي صوتك يا عفاف عيب كدا البنت تسمعك
قالت بمنتهى القسۏة
ياريت يا شيخ تسمع وتخلي عندها ډم وتمشي من هنا
عند رفقة التي تقف خلف الباب وضعت كفها فوق فمها تكتم شهقات كادت أن تنفلت من بقاع الحناجر تدحرج الدمع من أعينها وهي تتخبط تعود للخلف لتسقط على ظهرها بضعف وقلبها يتألم مما سمعت
ظلت تعود زاحفة للخلف حتى وصلت الأريكة لتجلس فوقها باكية بشهقات مكتومة تتمزق لها القلوب
تكومت على نفسها بينما تمسح دمعها بظهر يدها وهمست من بين بكاءها
مكونتش أعرف إن مرات خالي شايلة في قلبها كدا من ناحيتي مكونتش أعرف إنهم متضررين مني للدرجة دي
طب أروح فين يارب دلني أعمل أيه!!
أنا مش عايزة أكون عالة على حد
وتمددت فوق تلك الأريكة الضيقة وڠرقت في نوم عميق ودموعها ټغرق وجهها بينما تلك الشهقات الخاڤتة لم تهدأ
غرفت في النوم تهرب من واقعها الأليم ومن الصدمة التي تلقتها لعل ما هي به يكون مجرد كابوس مزعج
سار يعقوب داخلا للمنزل الغارق في الظلام نظرا لتأخر الوقت
كاد أن يصعد للأعلى لكنه توقف على هذا الصوت القاس
استنى عندك
لم يكن منه إلا أنه استدار بملامح وجه باردة وقال باقتضاب
نعم !
استقامت بشموخ تدق عكازها الفضي بالأرض واتبعته بصوتها الذي يشبه الرعد قائلة بقسۏة حفرت على معالم وجهها قبل صوتها
البيت ده ليه قوانين وبما إنك رجعت وجيت تقعد معانا يبقى تحترم قوانينه
دخولك ورجوعك نص الليل ده حاجة مش مقبولة وبلاش تكتر من حسابتك عندي علشان سجلك مليان أووي يا يعقوب باشا
تأمل جبروتها الذي عاناه منذ طفولته واستقى منه الويلات نمت إبتسامة ساخرة على جانب فمه ثم حك بأطراف أصابعه لحيته الشائكة وهتف ببرود وهو يصعد للأعلى
أنا طالع أنام
وعندما أكمل صعوده قابلهما ينظران له بحزن وندم فهما المسؤولان لكل ما حدث له
أهداهم إبتسامة ساخرة وأكمل سيره نحو غرفته القاصية
نظرت من الأعلى لتجدها جالسة بالأسفل والجمود مرتسم على محياها همست بحزن لتقول لزوجها
مش هسامح نفسي أبدا يا حسين على سفرنا وإحنا سايبين يعقوب معاها دماغنا كانت فين ساعتها
طبطب على ظهر زوجته وقال بندم
أمي ربت يعقوب غلط يا أم يعقوب وإحنا غلطنا غلطة لا تغتفر لما سيبنا يعقوب معاها وهو طفل على أساس إن إحنا بنبني مستقبله ومرجعناش ألا وهو شاب بعد ما فات الأوآن
هي طول عمرها كدا حتى لما ربتني بس الله يرحمه أبويا وعمتي هما كانوا بيصلحوا وراها علشان كدا أنا محستش بيها
وأمي كانت عايزه كدا عايزانا نطور من شغل العيلة ونكبره ومن ناحية تانية تستغل يعقوب وتخليه نسخة مصغرة منها وتتحكم فيه
أنا موافقتش أسيب يعقوب ألا لما لقيتها فعلا متعلقة بيه وبتحبه
قالت بحزن
يعقوب مستحيل يسامحنا على الغلطة دي
ابني عاش عمره محروم من أبوه وأمه ويادوب مكاملة التلفون إللي كانت حماتي بتسمح بيها
وإحنا عشنا محرومين من إبننا يا حسين
ردد بحنان
بس صدقيني يا أم يعقوب هو مكتسبش منها قسۏتها ولا جمودها هو لسه يعقوب الحنين المرح بس يمكن بس المشكلة شوية غرور ولامبالاة ودول ساهلين مسيرهم يدوبوا في يوم من الأيام
يارب يارب يا حسين
داخل غرفة يعقوب
تمدد فوق الفراش وهو يسحب حاسوبه المحمول أمامه وضع تلك
الفلاشة في إحدى الفرجات الجانبية ليتضح أمامه تلك المقاطع الذي عمل على تجميعها لها على مدار زيارتها للمطعم خلال أسابيع بل شهور
ظل يشاهدها باهتمام عجيب حتى غلبه النعاس وذهب بثبات عميق أملا في اللقاء غد
بقلمسارة أسامة نيل
في صباح يوم جديد
هبط من سيارته أمام المطعم وهو بقمة نشاطه
جاء يدخل المطعم لكن تسمرت أقدامه وهو يراها تأتي على مقربة منه
ابتسم باتساع وهو يحبو نحوها بينما هي تقترب بإبتسامتها الدائمة التي تسحره وعندما أوشك للوصل إليها تخشب پصدمة وهو يجأر بصوت تردد صداه بالأرجاء واهتزت له الأبدان
رفقة
فزع من نومته ليستقيم بوجه متعرق من هذا الکابوس اللعېن
زفر وهو يمسح على وجهه قائلا
أيه الکابوس الغريب ده !!
أخذ يسير نحو المرحاض وهو يقول بشرود
دا أكيد علشان أنا بس فكرت فيها كتير قبل ما أنام وزعلان على سوء الفهم
وبعد مرور مدة قصيرة كان قد ارتدى ملابسه وهبط الدرج ينتوي الخروج حيث المطعم بلهفة لكن قبل خروجه قاطعه هذا الصوت الذي افتقده لسنوات
يعقوب ممكن تفطر قبل ما تخرج الأول
كانت والدته التي ترمقه بندم وأعين تحمل الكثير من الإعتذارات التي لا تكفر عما حدث !
أجابها بملامح وجه جامدة
شكرا تعبتي نفسك !
وخرج دون أن يلتفت خلفه تحت نظرات تلك الناقمة على تصرفاته لتطرق بيدها على طاولة الطعام صائحة بنفاذ صبر
أنا مش فاهمه تصرفات الولد ده العناد إللي هو فيه ده عواقبه وخيمة
يعقوب لو مفاقش لنفسه مش هيطول من أملاك العيلة ولو ورقة واحدة أنا صبري بدأ ينفذ
لم يتحمل كم هذا الظلم الموجه لولده البكر يعقوب كان دائما يحترم قرارات والدته يخشى عقوقها حتى وصل به الأمر إلى الإفتراق عن يعقوب ظنا منه أنه في مأمن معها
حاول كظم غضبه وإلجام كلماته الغاضبة لكن رغما عنه لم يعد يتحمل هذا الكبت
لو سمحتي يا أمي كفاية بقى الأسلوب ده يعقوب مبقاش ولد صغير علشان تتحكمي فيه مش شرط يطلع زي ما إنت عايزه سيبيه يعيش حياته وكفاية إللي عملتيه فيه وطفولته إللي شوهتيها تربيتك ليعقوب كانت غلط
بس الغلط مش غلطك لواحدك دا غلطي أنا
غلطي إن سيبت ابني وسافرت وأنا مفكر إن هو هيكون معاك أحسن من معايا
تحكماتك يا أمي والمثالية إللي مارستيها على تربية يعقوب دمرته
لم تحرك ساكن وكأنه لم ينفجر لتوه بل اكتفت برفع عينيها وقالت بهدوء ساخر
بقى بعد ده كله جاي تعاتب أمك على أخر الزمن وتقولها إن هي إللي ډمرت ابنك
دي التربية الصح الولد ملوش ألا التربية دي أمال عايزه يدلع زي البنات مش كفاية خيبتي فيك بسبب تربية عمتك وأبوك وتربيتك في ابنك التاني إللي لين زي البنات وحنين أووي ننوس عين أمه
أنا ربيت يعقوب زي ما أنا عايزه بس للأسف بدأ يتفلت من إيدي وعارفة هرجعه تاني إزاي
أنا ربيته إن لا يتأثر بالعواطف ولا المشاعر يبقى زي الآلة كل إنتاجه إنجازات ويكبر ويعلي في شغلنا علشان يبقى خليفة جده الكبير
محي بدران
علا صوت بكاء والدة يعقوب على ما آل إليه حال ولدها ركضت نحو الجدة لبيبة بدران ثم انحنت تقبل يدها وأردفت متوسلة ودموعها ټغرق وجهها
بالله عليك يا أمي سيبي يعقوب كفاية عليه كدا سيبيه يعيش حياته سبيني أعوضه عن